د. عمار مرعي الحسن…
يعد العراق على مر السنين خط المواجهة والمجابهة بين تركيا (العثمانية) وإيران (الفارسية)، وذلك يعود إلى أن العراق لا يشترك في حدوده مع إيران وتركيا ولا يضم أقلية كردية قومية نشيطة كما في تركيا وإيران وحسب، بل ان كلتا الدولتين ترى في العراق مجالاً حيوياً على المستويين السياسي والاقتصادي. ومن ثم فان العراق تاريخياً وجغرافياً وبسبب تركيبته العرقية والدينية، هو امتداد للأمن القومي التركي والإيراني.
ونتيجة لما خلفه الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، من تدمير للقدرات العسكرية والاقتصادية للعراق، الأمر الذي أدى إلى فتح الباب واسعاً أمام التدخلات الخارجية، وفي مقدمتها تركيا وإيران، إذ أصبح العراق لقمة سائغة أمام أطماع الدولتين. ومن هنا اتسعت قاعدة المصالح التركية ـ الايرانية في عراق ما بعد عام 2003، الذي اصبح ساحة وميدانا للتنافس والصراع بين الدولتين، ما عزز من إمكانية حصول مواجهة بين تركيا وإيران، لاسيما مع اتساع نفوذ الأخيرة في العراق. وهنا يرد سؤال حول ما هي العوامل أو المتغيرات التي ستزيد من إمكانية حصول المواجهة بين تركيا وإيران في العراق؟
إن المعادلة التي تسير عليها مصالح تركيا وايران في عراق ما بعد 2003 تقوم على أساس التنافس المنضبط بقواعد محددة، تمنع الهيمنة الكاملة على ذلك البلد (العراق) من قبل أي من الدولتين (تركيا وإيران)، لكن لو اختلت تلك المعادلة بشكل واضح لصالح إيران ومصالحها، الى الحد الذي يضر بالمصالح القومية التركية بشكل كبــــير، هناك يمكن أن تلجأ (تركيا) إلى الاشتراك مع بعض الدول والاطراف الاقليمية، من أجل خلق كتلة موازنة لإيران فـــي العـــراق، إذ قد يفتح التطور الجـــاري على أرض العراق الطريق أمام تعاون عربي ـ تركي لموازنة النفــــوذ الإيــــراني في العــــراق، لاسيما في ظل التركيبة الصراعية للحراك السياسي القائم على المحاصصة الضيقة، وبسبب عدم قدرة أي من الطرفين العربي أو التركي على حسم المواجهة مع إيران بمفرده.
كما أن تركيا يمكن أن تلجأ إلى عقد تحالف مع أكراد العراق، من أجل ضمان نفوذها في شمال العراق وخلق نفوذ موازٍ للنفوذ الإيراني في العراق، فضلاً عن منع تمدد ذلك النفوذ إلى شمال العراق، ومن ثم استغلال ذلك في منع الأكراد من تشكيل دولة فيدرالية مستقلة، فضلاً عن إمكانية المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها تركيا من أكراد العراق لمحاربة وطرد حزب العمال الكردستاني (P.K.K) من منطقة جبال قنديل شمال العراق، خاصة أن تركيا مهدت لهذا الأمر عن طريق تعميق العلاقات مع حكومة إقليم كردستان العراق، إلى الحد الذي جعل مستقبل الإقليم، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، يعتمد بشكل كبير على تركيا، لأن تأثير تركيا في العراق سوف يتعاظم بدرجة كبيرة إذا تحالفت مع الجماعات أو التيارات السياسية الكردية فيه. لاسيما ان الجانبين (الاتراك والأكراد) لديهما دوافع قوية لإيجاد تسوية سياسية على المدى البعيد، لحل كل الملفات التي كانت في السابق تعيق تقدم العلاقات بين الجانبين.
إن تركيا حتى إن كانت حذرة في تعاملها مع النفوذ الإيراني في العراق، فهي لن تقبل بنمو ذلك النفوذ الى حد السيطرة الكاملة عليه. لأن مثل هذه السيطرة قد تغير ميزان القوى الإقليمي لصالح إيران وحدها، الأمر الذي قد يوصل العلاقات التركية ـ الايرانية الى طريق مسدود، أي قد تسير الدولتان باتجاه قطع الاتصال بينهما، ومن ثم الدخول في منعطف خطير قد يصل الى حد المواجهة أو المجابهة، سواء بصورة مباشرة، وهو ما توقعه غراهام فولرعندما قال: «ان حدث ذلك فستكون أول مواجهة جيوسياسية خطيرة بين تركيا وإيران خلال قرون. وفي مثل تلك الظروف يمكن للمرء ان يتخيل ان تلعب أنقرة بالورقة التركية القومية ضد إيران».
كما أنه لو اندلعت حرب أهلية شاملة في العراق تصل الى حد خطير، ما يجعل من غير الممكن بالنسبة لتركيا وإيران أن تقفا مكتوفتي الايدي، أي يمكن أن تندفع الدولتان للدخول في صورة مواجهة غير مباشرة، عن طريق دعم طرف على حساب طرف آخر، وان كانت إيران أقرب الى سرعة الحركة في هذا المجال من تركيا، وذلك لان إيران أخذت تنتهج سياسه واضحة في دعم بعض المليشيات (الشيعية)، بل وصل بها الحال، خاصة بعد أحداث الموصل الى ان تتدخل بعناصر (من فيلق القدس) لمقاتلة ما يعرف اعلامياً بـ»داعش»، وربما يتزايد هذا التدخل مستقبلاً من قبل إيران وهو ما قد يثير حفيظة تركيا التي هي أيضـــا ستتحرك، ولكن بشكل مختلف نوعاً ما عن التحرك الايراني، إذ إنها ستتدخل بشكل غير مباشر عن طريق الدعم المالي أو تقديم الدعم اللوجستي أو التدريب للجهات والاطراف التي تخدم، أو تعتقد تركيا أنها تخدم مصالحها القومية، وأن هنالك ضرورة ملحة في تقديم الدعم لها من أجل منع اختلال معادلة التوازن داخل العراق.
مهما يكن فان اندلاع حرب بين تركيا وايران في العراق له أبعاد وتأثيرات خطيرة تشمل أغلب دول المنطقة، إذ أن موقع العراق يجعل من غير الممكن الابقاء على نار الحرب مشتعلة داخله فقط من دون ان يكون لها امتداد الى دول الجوار الاقليمي، اذ ستدخل هنا اعتبارات الحفاظ على المصالح القومية وعلى إثبات الوجود في ميدان الصراع بالنسبة للدول المجاورة، وهنا يمكن ان تتحول المنطقة الى تكتلات أو تحالفات اقليمية، تتنوع بحسب مصالح الدول وبحسب نوع التهديد الذي ستتعرض له تلك الدول، سواء كان ذلك التهديد من قبل إيران أم بمردودات سلبية منبثقة من اشتعال حرب أهلية في العراق تستلزم تدخلا اقليميا من قبل دول الجوار التي ستدعم بعض الاطراف التي تتقارب معها من ناحية المذهب، أو القومية، وبالتالي تتوسع حلقات الصراع وتنتقل من العراق الى الدول المجاورة
0 التعليقات:
إرسال تعليق