نساء العراق بين فكي داعش والحروب
رفقه رعد
لمْ يعد الخوف مجديا على نساء العراق، هن أكبر خاسر في جميع هذه المعارك، نساء الحروب، جدات كل الأجيال ونحن الان شهود عيان على كل الصراعات الذكورية الغبية، وقود للعنف والرغبات والشهوات، ارجلهن تتخبط بين عتبة الباب والطرق الخارجية ومداخل المدن، ايديهن تعيل وتُربت على ذلك الألم على أطفال لا تعرف كيف تبني امهاتهم مستقبلهم الآمن، نساء خانتهم حياتهم فخانهن الفرح، واشترين الوطن..
ما عاصرته منذ ولادتي كامرأة هو مشاهدة لسيناريو كيف تعيش امرأة في زمن الحرب، كيف يمكن ان تضمن لها النجاة؟ وكيف توفر لنفسها ولاطفالها رغيف الخبز؟ وجاء المشهد طويلا جداً يحتاج إلى أكثر من لقطة لتصويره، ونحتاج ربما إلى مائة كلاكيت لبدء التسجيل لان الحرب لم تستنزف مستقبل النساء هنا بل استنزفت تاريخا طويلا مقرونا بتاريخ الحرب لهذا البلد. الحرب اذا اردنا تعريفها على صعيد الذات قلنا هي حالة استنزاف تعصف بالذات ترفع من عنصر القلق إلى اعلى درجاته، فتتخبط الذات لمحاولة البقاء إلى أكبر قدر ممكن من الزمن، فما حال قلق النساء اذن؟ وكيف اخذهن قلقهن إلى محطات مختلفة ضمنت عن طريقها المرأة الوجود؟ وهذا ما جعل احداهن تبيع الالعاب بين السيارات وجعلت من الاخرى عاهرة ومن ثالثة خبازة أو موظفة وعاملة. لا عيب في العمل لكن العيب على العمل الذي اتعب جمالكن المرهف، العيب على وطن ارهق اناملكن واحنى ظهركن المصقول، العيب على حرب لا تعرف تفرق بين ملائكة الارض وملائكة السماء، فخلطت الاوراق واحرقت اجنحتكن.
مع دخول داعش إلى ارضنا انتابني الرعب على نسائنا، لان اول ما تفكر به امرأة عراقية هو اولادها، وكيف سيكفي حضنها للملمة كل هذه الأجساد؟ وكيف سيمنع أكبرهم من فهم الامور بشكل خطأ أو يمنع اصغرهم من شرب حليبه بسلام؟ ذلك الخوف منذ ان اجتاحها ومنذ ان اختبرت الموت وغياب السند، عرفت ان اول ما يجب ان تفعله، هو ان تنسى ذاتها لان نجاة فلذات اكبادها في نجاتها، وفي محاولة للمزاح قالت لي احداهن: (ابني واعيده إلى بطني لكن زوجي ماذا سأفعل به؟)، فماذا هي فاعلة الان على حدود الأوطان يا ترى؟
الحرب ذكورية مفرطة في بدايتها ونهايتها وفي الما بين، وهذا ما يهمنا الان (الما بين)، لان تاريخ نساء هذا البلد سيكتب في هذه المساحة بين الحرب والسلام، فلا يكفي ان تترك الحرب القديمة آثارها علينا، بل حروب جديدة هي التي ستجعلنا نختبر كل ما هو جديد، ربما نكاح داعشي شرعي أو سبي اسلامي، ربما مجاهدات بالغصب أو هاربات أو ارهابيات، فالمادة الاولى لاستمرار ما يجري هو هؤلاء النسوة، رصيد لاستمرار الشغف والطاقة من جهة، رصيد دعم ايديولوجي للفكرة الاسلامية الديمقراطية أو الدكتاتورية من جهة اخرى.
الهروب ربما هو الحل الوحيد لكل هذه التناقضات، فاهربن عزيزاتي، اهربن اذا ما جاءكن المد ولا تلتفتن فلا خبزة لنا في حرب معدنها ذكوري سلطوي كما لم يكن لنا خبزة في الحروب التي تلت. وان كانت السلطة هي حرب، فالهروب سلطة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق